البركة والتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم <hr SIZE=1>
التـبركسؤال:
ما هو حكم الإسلام في البركة والتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره، والصالحين وآثارهم؟ وهل في التبرك شبهة شرك؟ جواب: بركة رسول الله
وردت بها أحاديث كثيرة منها ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك
وكذلك مسلمٌ والترمذي والنسائي واحمدُ رحمهم الله قال: (رأيت رسول الله
وقد حانت صلاة العصر والتمسَ الناسُ الوضوء فلم يجدوه فأُتي رسول الله
بوضوءٍ فوضع
يده في ذلك الإناء وأمر الناسَ أن يتوضئوا منه فرأيتُ المـاء ينبعُ من تحتِ أصابعه فتوضأَ الناسُ حتى توضئوا من عندِ آخرهم).
وأخرج مسلمٌ عن معاذِ بن جبلٍ
فذكر حديث جمعِ الصلاة في غزوةِ تبوك إلى أن قال (وقال (يعني الرسول
إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يَمسَّ من مائها شيئاً حتى آتي، قال فجئناها وقد سبق إليها رجلان (كان هذان الرجلان من المنافقين والعينُ مثل الشراك تبض بشيء (تسيل قليلاً قليلاً) فسألهما رسول الله
هل مسستما من مائها شيئا؟ فقالا نعم، فسبّهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول، قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء وغسل رسولُ الله
وجهه ويديه فيه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسول الله
: يا معاذ يوشِك إن طالت بك حياةٌ أن ترى ما هاهنا قد مليء جناناً).
أما التبرك بآثارِ الصالحين فهو جائز شرعا بالأدلة الشرعية التالية:
أخرج الطبراني عن جعفر بن عبد الله بن الحكم (أن خالد بن الوليد
فقد قُلنسوةً له يومَ اليرموك فقال اطلبوها فلم يجدوها فقال اطلبوها فوجدوها فإذا هي قُلنسوةٌ خلقة (بالية) فقال خالد: "اعتمر رسول الله
فحلق رأسه فابتدر الناسُ جوانبَ شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القُلنسوَةِ فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصرة).
وأخرج ابنُ سعد عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الرحمن بـن عبـدِ القاري (أنه نظر إلى ابنِ عمرَ رضي الله عنهما وضع يده على مقعدِ النبي
من المنبرِ ثم وضعها على وجهِه). وعنده أيضاً عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط قال: (رأيتُ ناسًا من أصحاب النبي
إذا خلا المسجدُ أخذوا برمانةِ المنبر الصلعاء التي تلي القبر بميامنهم ثم استقبلوا القبلة يدعون).
والتبرك هنا لم يكن بمادة الخشب وسواها وإنما كان بما تمثله من آثار النبوة. ومن المعلوم أنه يجوز قصد الأماكنِ المباركةِ التي يستحبُ فيها الدعاءُ والتوجهُ كالمساجد والبقاع التي لها خصوصية. ودليل ذلك ما يكون في مشاهد الحج واختيار أمكنة معينة فيه للدعاء والتعبد ونحوهِ. ومما يدل على ذلك قوله تعالى
وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125 البقرة) ونحن نرى الآن في بيت الله الحرام المقام منتصبا بين الإمام والكعبة، فهل في ذلك شرك!؟.
ويؤيد ذلك حديثُ شد الرحال إلى المساجدِ الثلاثة، وقد صحَ عن عمرَ
قولهُ لو كان مسجد قباء في كذا لذهبنا إليه، للحديث الذي حث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوضوء في البيوت ثم المجيء إلى قباء.
وتجوز زيارة قبور الأنبياء والصالحين لالتماس العظة والعبرةِ والتبرك بهم جميعاً، فزيارةُ القبور مندوبةٌ وزيارة قبورِ أهل الله من باب أولى لأن العظة والبركة عندهم أشد. أما الذين يستدلون بحديثِ رسول الله
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد في النهي عن زيارة قبور الأنبياء والصحابةِ والصالحين فنقول بأن النهي جاء عن عدم جواز شد الرحال والسفر إلا إلى المساجد الثلاثة. أما قبور الأنبياء والصحابة والصالحين فزيارتها مندوبة للعظة والبركة ولا نهي في ذلك. فكلامه صلى الله عليه وسلم في المساجد ليبين للأمة أن ما عدا هذه المساجد الثلاثة متساوٍ في الفضل، فلا فائدة في التعب بالسفر إلى غيرها، أما هذه الثلاثة فلها مزيد فضلٍ، ولا دخل للمقابر في هذا الحديث فإقحامها في هذا الحديث يعتبر ضرباً من الكذب على رسول الله
على من يتحمله إثم الكذب عليه
. فنحن عندما نزور قبور الأنبياء والصحابة والصالحين لا نقصد شد الرحال إلى مساجدهم إنما نقصد زيارة قبورهم ودعاء الله
من عندهم والتبرك بهم كزيارتنا لأنبياء الله في حرم إبراهيم الخليل أو زيارتنا لساداتنا في مؤتة والأغوار والخليل وغيرها من الأماكن التي تعطرت تربتها وتشرفت بأجساد عز نظيرها.
وإذا كان هناك تشدد وريبةٌ في ذلك قديماً فلأنهم كانوا حديثي عهد بالشرك فخُشي أن تختلط الأمور عليهم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم زيارة القبور ابتداءً، ثم قال بعد أن وضحت عقيدة التوحيد
كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة. وما كان قطعُ عمرَ لشجرة البيعة إلا لمنع الشركِ الذي كان لا يزال متمكنا أو قريباً من النفوس، ولم يكن أبداً لمنع التبرك، وفرقٌ هائل بين الإشراك والتبرك الذي هو من تأكيد الإيمان بالله وقدرته وهو من أدلة استمرار آثار العمل الصالح وهو اجتهادٌ من عمر لسد الذريعة.
ولذلك وجدنا أن من أبرز الدلائل الدالة على مشروعية واستحباب التبرك بـه
وبآثاره الشريفة بعد وفاته فضلاً عن حياته ما فعله سيدنا أبو بكر الصديق لما طلب عند وفاته أن يدفن التماساً للبركة، ورغبة في القرب بجوار النبي
، بل عند قدميه الشريفتين كما ألحّ الخليفة الفاروق بنفسه بذلك.
جاء في صحيح البخاري (أن أمير المؤمنين عمر
استأذن أُمنا عائشة
مرتين بعد أن طُعن أن يدفن بجوار المصطفى
، فمرة أرسل ابنه عبد الله ليقول لها يستأذنك أمير المؤمنين عمر. ثم قال له إذا أنا متُ فاذهبوا بجنازتي إلى بيتِ عائشة وقفوا بي على الباب ثم قولوا يستأذن عمر، فإني عندها لم أعد أمير المؤمنين، فإن أذنت وإلا فادفنوني في مقابر المسلمين). فما هو إذن سر إصرار هذين الجهبذين الشامخين على أن يدفنا بجوار الحبيب
سوى التماس بركته وقربه، وهو الذي قال فيهما
اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والبخاري في تاريخه وغيرهم.
وفي أدلة أهل السنة والجماعة قال الشيخ يوسف الرفاعي: "والتبرك بآثار الصالحين جائز، وقد نقل الحافظ العراقي في «فتح المتعال» بسنده أن الإمام أحمد ابن حنبل أجاز تقبيل قبر النبي
وغيره تبركاً، قال وعندما رأى ذلك الشيخ ابن تيمية عجب قال وأي عجب في ذلك وقد روينا أن الإمام أحمد تبرك بالشرب من ماء غسل قميص الإمام الشافعي. وكان يأخذُ منها ما يمسح به وجهه وأعضاءه، كما ذكر أصحاب الطبقات وغيرهم. بل قد روى ابن تيمية نفسه تبرك أحمد بآثار الشافعي.
وفي تاريخ الخطيب أن الإمام الشافعي كان يتبرك بزيارة قبر الإمام أبي حنيفة مدةَ إقامته بالعراق.
وفي صحيح مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة (عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جُبةً طيالسية وقالت كان رسول الله
يلبسها فنحن نغسلها للمرضى فنستشفي بها).
كذلك ثبت أن بلالاً
مرغ خديه على عتبات الحجرة النبوية باكيا بين يدي الصحابة يومَ عاد من الشامِ إلى المدينة". وسنرى ذلك في (فصل الزيارة النبوية). ولم يرد أن أحدًا من الصحابة الكرام أنكر عليه ولا على فاطمة فيما ورد عنها من التبرك بتربة القبر الشريف.
انا اسف على الاطالة ولكن الموضوع جميل ومفيد
وفقني الله واياكم لما فيه الخير ولنصرة نبي الهدى والرحمة
بقلمي