في وجوب محبته صلى الله عليه وسلمبقلم سليمان سامي محمود
لقد وردت محبة رسول الله
فى القرآن العظيم والسنة فقال
لنبيه
أمرا له أن يقول:
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره واله لا يهدى القوم الفاسقين (التوبة:24) فكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها. وأما الأخبار: فعن أنس
قال: قال رسول الله
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه والده وولده والناس أجمعين)، وفى رواية
لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين)، وفى رواية
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه). وعن على
قال:قال رسول الله
أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن فى ظل الله يوم لا ظل من أنبيائه وأصفيائه). وعن أبى ذر
أن النبى
قال
أشد أمتى لى حبا قوم يكونون بعدى يود أحدكم أنه فقد أهله وماله أنه رآنى). وعن أبى هريرة
قال: قال رسول الله
من أشد لى حبا ناس يكونون بعدى يود أحدهم لو رآنى بأهله وماله). أما أقوال المشايخ فى المحبة فقد قال سفيان
: المحبة اتباع الرسول
كأنه التفت إلى قوله
:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله (آل عمران:31)وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال آخر:إيثار المحبوب، وقال بعضهم:المحبة الشوق إلى المحبوب، وقيل:المحبة مواطأة القلب لمراد الرب فيحب ماأحب ويكره ما كره.
وأعلم يا أخى أن محبة رسول الله
هى المنزلة التى يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وعليها يتفانى المحبون، وبروح نسيمها يتروح العابدون، فهى قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهى الحياة التى من حرمها فهو من جملة الأموات، وهى النور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات، سوهى روح الإيمان والأعمال والأحوال والمقامات، وإذا كان المرء يحب غيره على ما فيه من صورة جميلة، وسيرة حميدة، فكيف بهذا النبى الكريم والرسول العظيم الجامع لمحاسن الأخلاق الكريمة،المانح لنا جوامع المكارم والفضل العميم، فقد منحنا الله
به منح الدنيا والآخرة وأسبغ علينا نعمة ظاهرة فاستحق أن يكون حظة من محبتنا له أو فى وأزكى من محبتنا لأنفسنا وأولادنا وأهلينا وأموالنا والناس أجمعين، بل لو كان فى منبت كل شعرة منا محبة تامة له - صلوات الله وسلامه عليه - لكان ذلك بعض ما يستحقه علينا، وقد روى أنس
أنه
قال
لا يؤمن أحدكم حتى يحب أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) فهذا شرط صحة الإيمان لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال قال سيدنا عمر بن الخطاب
للنبى
يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شىء إلا من نفسى ، فقال النبى
:لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر
، فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى، فقال النبى
:أن يعرض على نفسه أنه لو خير بين ما يحبه من أغراض الدنيا وبين رؤيا رسول الله
لما اختار إلا رؤية الرسول
وأهل المحبة متفاوتون فى درجة الحب، فمنهم من أخذ من مرتبة الحب لالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقا فى الشهوات محجوبا بالغفلات فى أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبى
اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ويجد رجحان ذلك من نفسه سوجدانا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبر رسول الله
ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر فى قلوبهم من محبته
غير أن ذلك سريع الزوال لتوالى الغفلات
وقد روى اسحق:أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله
فقالت:ما فعل رسول الله
، قالوا: خيرا هو بحمد الله كما تحبين ، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه ، فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل - أى صغيرة). وقال الإمام البغوى فى تفسير قوله
:
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (النساء 68) أنها أنزلت فى ثوبان مولى رسول الله
وكان شديد الحب لرسول الله
قليل الصبر عنه ، أتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن فى وجهه ، فقال له رسول الله
: ما ير لونك ، فقال: يارسول الله ما بى مرض ولا وجع غير أنى إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة ، فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع من النبيين وإنى إن دخلت الجنه فى منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة لم أرك أبدا ، فنزلت هذه الآية وبالجملة فلا حياة للقلب إلا بمحبة الله
ومحبة رسوله
، ولا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم وسكنت نفوسهم إليه واطمأنت قلوبهم به واستأنسوا بقربه وتنعموا بمحبته ، ففى القلب طافة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله ، ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات ، ولن يصل العبد إلى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية حتى يعرف الله
ويهتدى إليه بطريق توصله إليه ويخرق ظلمات الطبع باشعة البصيرة فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة ، فينجذب إليها بكليته ويزهد فىالتعلقات الفانية ويدأب فى تصحيح التوبة والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة ثم يقوم حارسا على قلبه فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله
ولا بخطرة فضول لا تنفعه ، فيصفو لذلك قلبه بذكر ربه ومحبته والإنابة إليه فحينئذ يجتمع قلبه وخواطره وحديث نفسه على إرادة ربه وطلبه والشوق إليه فإذا صدق فى ذلك رزق محبة الرسول
واستولت روحانيته على قلبه فجعله أمامه استاذا ومعلما وشيخا وقدوة ، كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديه ، فيطالعسيرته
ومبادىء أموره ، وكيفية نزول الوحى عليه ، ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه وحركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه إلى غير ذلك مما منحه الله
حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه .
وعن أنس
أن رسول الله
قال
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف فى النار).